من هو “ليانج وينفينج” العقل المفكر وراء ديب سيك

ليانج وينفينج، الرئيس التنفيذي لشركة ديب سيك، في صورة من بث وسائل الإعلام الصينية

ليانج وينفينج، الرئيس التنفيذي لشركة ديب سيك، في صورة من بث وسائل الإعلام الصينية

أحدث تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني الجديد ديب سيك “DeepSeek” موجة من الصدمة في عالم التكنولوجيا، حيث أطاح بتطبيق “شات جي بي تي” من عرشه باعتباره التطبيق المجاني الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة، وأدى إلى شهرة مؤسسه الملياردير ليانج وينفينج بين عشية وضحاها في وطنه.

هذا المهندس، الذي وصفه زملاؤه بأنه انطوائي، ترك بصمته الأولى في عالم الاستثمار في الصين في أواخر عام 2010، حيث شارك في تأسيس صندوق تحوط استخدم نماذج الذكاء الاصطناعي لتحقيق عوائد قوية وجذب مليارات الدولارات من رأس المال.

مدعومًا بالأرباح وحذراً من تشديد بكين قبضتها على تجارة المضاربة، قام ليانج وينفينج بتحويل مسار عمله في عام 2023. فقد ضخ الأموال في مجال الذكاء الاصطناعي، وراهن على رقائق الذكاء الاصطناعي وجمع فريقاً لبناء رد الصين على شركة OpenAI الرائدة في وادي السيليكون.

والآن، بعد عامين فقط، قلبت شركة “دسب سيك DeepSeek” المشهد التكنولوجي العالمي رأساً على عقب. كيف فعل ذلك وما الذي تحتاج إلى معرفته عن ليانج وينفينج؟

إنه مهندس تقني ذو تفكير عميق. وهذا يضعه في صف المديرين التنفيذيين التقنيين الصينيين الناجحين الآخرين في مجال التكنولوجيا.

عندما ناقش خبراء التكنولوجيا الصينيون سبب فشل أكبر المستثمرين وشركات التكنولوجيا في البلاد في توقع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي، أشار الكثيرون إلى سبب رئيسي واحد: كانت الشركات الصينية مهووسة بالعائدات السريعة في سوق تنافسية شرسة.

وقد أوضح ليانج – متسلحًا بهذه الدروس – ومدعومًا بمكاسبه التجارية غير المتوقعة – أن طموحاته تتجاوز التطبيقات التجارية.

وقال إن تركيزه ينصب على ما يراه فرصة الصين الحقيقية الوحيدة للحاق بالولايات المتحدة. وهذا يعني القيام بمحاولات جريئة ومثالية في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي الأساسية. ويتمثل طموحه الأساسي في ابتكار ذكاء اصطناعي عام Artificial General Intelligence or A.G.I – وهو الهدف المراوغ المتمثل في بناء آلات يمكنها التفكير والتعلم مثل البشر.

فاجأت شركة “ديب سيك DeepSeek” منافسيها الصينيين في العام الماضي من خلال عرض نموذجها بأسعار مخفضة، مما أجبر المنافسين الكبار على تخفيض أسعارهم.

يبدو السيد ليانج في قناعاته بأن الذكاء الاصطناعي الخارق أصبح قاب قوسين أو أدنى، يشبه إلى حد كبير الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان. ولكن أوجه التشابه تنتهي عند هذا الحد.  ليانج، وهو مدير تنفيذي غير بارز إعلامياً يتمتع بخلفية تقنية عميقة في هندسة الذكاء الاصطناعي، يناسب نموذج “بوني ما”، أحد مؤسسي شركة تين سنت الصينية، أكثر من كونه من أصحاب الرؤى الكاريزمية في وادي السيليكون.

البداية مع صندوق التحوط لأسهم البورصة

بدأ كمتداول في صناديق التحوط. ثم تحول إلى مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي البحت.

وفي عام 2019، أصبح صندوقه “High-Flyer” أول صندوق تحوط كمي في الصين يجمع أكثر من 100 مليار يوان (13 مليون دولار).

وفي الصندوق، بنى ليانج ثروة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي والخوارزميات لتحديد الأنماط التي يمكن أن تؤثر على أسعار الأسهم.

وأصبح فريقه ماهراً في استخدام شرائح H800 التي صنعتها شركة Nvidia، مصممة شرائح الذكاء الاصطناعي والمفضلة حديثاً في وول ستريت، لتحقيق الأرباح من تداول الأسهم. وفي عام 2023، أطلق برنامج الذكاء الاصطناعي ديب سيك، معلناً عن نيته تطوير الذكاء الاصطناعي على المستوى البشري.

ويقال إن ليانج، الذي يشارك شخصياً في أبحاث البرنامج، يستخدم عائدات تداول صندوق التحوط لدفع رواتب عالية لأفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تضم الشركة حاملي الدكتوراة من أفضل المدارس الصينية، وجامعات بكين وتسينغهوا وبيهانغ، بدلاً من الخبراء من المؤسسات الأمريكية.

وإلى جانب شركة بايت دانس، مالكة تطبيق تيك توك، تشتهر شركة ديب سيك بتقديم أعلى أجر متاح لمهندسي الذكاء الاصطناعي في الصين، حيث يعمل الموظفون في مكاتب في هانجتشو وبكين.

من نواحٍ عديدة، تتبع مسيرة ليانج المهنية تعكس التحولات الرئيسية في المشهد التكنولوجي في الصين.
وتناولت أطروحته في عام 2010 في جامعة تشجيانج ما سيصبح قريبًا أحد أهم المواضيع في مجال الذكاء الاصطناعي الصيني: تحسين خوارزميات التتبع الذكي لكاميرات المراقبة.
تناولت أطروحة ليانج الجامعية الخوارزميات الخاصة بكاميرات المراقبة، والتي ستصبح موضوعًا ساخنًا في مجال الذكاء الاصطناعي الصيني

تناولت أطروحة ليانج الجامعية الخوارزميات الخاصة بكاميرات المراقبة، والتي ستصبح موضوعًا ساخنًا في مجال الذكاء الاصطناعي الصيني

التحول الي شركة للذكاء الاصطناعي

وفي وقتٍ لاحق، تعرض صندوق التحوط الذي شارك في تأسيسه لضغوط تنظيمية، مما أجبر في النهاية على إغلاق أحد منتجاته الاستثمارية الرئيسية، وفقًا لبيتر ألكسندر، المدير الإداري لشركة Z-Ben Advisors، وهي شركة استشارية متخصصة في السوق، والتي تجري أبحاثًا عن صناديق التحوط الصينية.

“قال السيد ألكسندر: “بين عامي 2019 و2023، أرادوا أن يكون لديهم هذا المشروع الجانبي حتى يشعر حملة الدكتوراه أن لديهم ما يفعلونه، ومن هنا نشأ مشروع DeepSeek.

“ولكن الأمر زاد عن حده بالفعل عندما اضطروا إلى إغلاق منتجهم الاستثماري الأساسي في فبراير من عام 2024”.

كانت شركة ديب سيك شركة خاصة لا تحظى بدعم واضح من الدولة، ولا تحالفات مع أسماء كبيرة ولا ثقل مؤسسي مثل شركة بايدو، عملاق البحث. في نظام يفضل المطلعين على بواطن الأمور، لم يكن ليانج واحداً منهم.

كان نهج ليانج غير تقليدي مثل صعود شركته. فقد ركز على الاستكشاف الفكري أكثر من العمل الشاق. كما أن فلسفته في التوظيف غير تقليدية بنفس القدر – فقد انضم إلى فرق الهندسة في شركة ديب سيك هواة الأدب للمساعدة في تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي للشركة.

وقال في مقابلة 36Kr: “كل شخص لديه رحلته الفريدة من نوعها ويجلب معه أفكاره الخاصة، لذلك لا داعي للضغط عليه”.

وفي ثقافة التكنولوجيا التي تتسم بساعات العمل المرهقة والتسلسل الهرمي، فإن هذه النظرة أقرب إلى البوهيمية. ومع ذلك، يصرّ ليانج على أن التغيير ضروري إذا أرادت الصين أن تكون رائدة في مجال الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.

تطبيق ديب سيك للذكاء الاصطناعي

تطبيق ديب سيك للذكاء الاصطناعي

الميزة التنافسية لـ ديب سيك

وتقول شركة ديب سيك، إن نموذجها “R1” تم تطويره باستخدام التكنولوجيا الموجودة جنباً إلى جنب مع برامج مفتوحة المصدر يمكن لأي شخص استخدامها ومشاركتها مجاناً.

ولكن مجلة “WIRED” ذكرت أن صندوق التحوط التابع لليانج، كان يخزن الرقائق التي تشكل العمود الفقري للذكاء الاصطناعي، والمعروفة باسم وحدات معالجة الرسومات. وتتراوح التقديرات لعدد الرقائق التي حصل عليها من 10 آلاف إلى 50 ألفاً، وفقاً لمجلة “MIT Technology Review”.

وتعد هذه الرقائق ضرورية لبناء نماذج ذكاء اصطناعي قوية يمكنها أداء مجموعة من المهام البشرية، من الإجابة على الاستفسارات الأساسية إلى حل المشكلات الرياضية المعقدة.

وفي سبتمبر2022، حظرت الولايات المتحدة مبيعات تلك الرقائق عالية الطاقة إلى الصين، وهي الخطوة التي وصفها ليانج في مقابلات مع وسائل الإعلام الصينية بأنها “التحدي الرئيسي”.

وتستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة في الغرب ما يقدر بنحو 16,000 شريحة متخصصة، ولكن شركة ديب سيك تقول إنها دربت نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها “R1″، باستخدام 2,000 من هذه الرقائق، وآلاف الرقائق ذات الدرجة الأدنى، وهو ما يجعل منتجها أرخص.

ووفقاً لمطوريها، تكلف روبوت الدردشة 5.6 مليون دولار فقط للبناء، مقارنة بـ 5 مليارات دولار أنفقتها شركة “OpenAI” وحدها العام الماضي، وهي شركة شات جي بي تي.

وقد شكك البعض، بما في ذلك الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، في هذا الادعاء، بحجة أن الشركة لا تستطيع الكشف عن عدد الرقائق المتقدمة التي استخدمتها بالفعل نظراً للقيود.

ولكن الخبراء يقولون إن حظر واشنطن جلَب تحدياتٍ وفرصاً لصناعة الذكاء الاصطناعي الصينية.

آراء متباينة وتخوف غربي

وبعد إطلاقه، تسبب “ديب سيك” في موجة بيع ضخمة لأسهم التكنولوجيا الكبرى، على سبيل المثال، انخفضت أسهم شركة نفيديا بنسبة 17% بحلول الوقت الذي أغلقت فيه الأسواق الأمريكية يوم الاثنين 27 يناير، وهي خسارة بلغت 600 مليار دولار في القيمة السوقية، التي كانت – وفقاً لبلومبرج – أكبر انخفاض في تاريخ سوق الأسهم الأمريكية.

ووصف المستثمر مارك أندريسن “DeepSeek-R1” بلحظة سبوتنيك للذكاء الاصطناعي، حسبما نشر على منصة إكس يوم الأحد، في إشارة إلى القمر الصناعي الذي أطلق سباق الفضاء.

ولكن التطبيق الصيني أثار أيضاً مخاوف بين كثيرين.

وقال المحلل جين مونستر في إشارة إلى البيانات المالية التي تستشهد بها شركة ديب سيك: “ما زلت أعتقد أن الحقيقة تكمن تحت السطح فيما يتعلق بما يحدث بالفعل”.

كما تساءل عما إذا كانت الشركة الناشئة تتلقى دعماً أو ما إذا كانت أرقامها المعلن عنها دقيقة.

وأضاف أن “روبوت المحادثة جيد بشكل مدهش، مما يجعل من الصعب تصديقه”.

وأشار وزير العلوم الأسترالي إد هوسيك إلى المخاوف الأمنية، وقال إن “هناك الكثير من الأسئلة التي يجب الإجابة عليها في الوقت المناسب بشأن الجودة وتفضيلات المستهلك والبيانات وإدارة الخصوصية. سأكون حذراً للغاية بشأن ذلك. إن مثل هذه القضايا تحتاج إلى أن يتم تقييمها بعناية”.

وفي الأسبوع الماضي، انضم سام ألتمان من شركة “OpenAI” ولاري إليسون من شركة “Oracle” إلى الرئيس دونالد ترامب للإعلان عن “Stargate”، وهو مشروع مشترك يعد باستثمارات خاصة تصل إلى 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي لمراكز البيانات في تكساس وخارجها، إلى جانب 100 ألف وظيفة جديدة.

ولكن مع وجود لاعب قوي آخر في لعبة الذكاء الاصطناعي، يعتقد بعض الخبراء أن وصول ديب سيك المفاجئ قد يثير تساؤلات حول مستقبل هيمنة الذكاء الاصطناعي في أمريكا، وحجم الاستثمارات التي تخطط لها الشركات الأمريكية.


خاص: إيجيبت14
المصدر: نيويورك تايمز – بي بي سي

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.