
داخل مكتبة فويلز بلندن حيث تمتزج القراءة والثقافة والتبادل الإنساني
أخفق المحللون في تنبؤاتهم التي أطلقوها ما بين عامي 2000 و2007 عندما ارتأوا بأن هذه هي نهاية الكتب الورقية، ونعوها بعد أن دفنتها التكنولوجيا في ظل زحف القراءة على الإنترنت وارتفاع مبيعات أجهزة «كيندل» على موقع أمازون وتفضيل الكثيرين القراءة الإلكترونية على القراءة الورقية.
وهنا نقول بأن المحللين أخطأوا في توقعاتهم لأن الكتاب نهض من سباته وعاد من جديد ليتصدر الساحة الثقافية، وليس هذا فقط بل عاد بقوة، مزعزعا بطريقه عرش «كيندل» التي انخفضت مبيعاتها إلى أدنى المستويات المسجلة، وأصبح للكتاب محلات كثيرة، ازداد عددها في الولايات المتحدة بواقع 27% ما بين عامي 2009 و2014 بحسب جمعية بائعي الكتب الأميركية.
ففي عام 2012 باعت شركة أمازون نحو 30 مليون جهاز كيندل، وأنفق البريطانيون بعد عام من ذلك 2.2 مليار جنيه إسترليني بالمقارنة مع مبلغ 300 مليون جنيه إسترليني أُنفق على الكتب الإلكترونية وذلك بحسب استطلاعات شركة «نيلسون» المتخصصة برصد آراء وتوجهات الناس في أكثر من 100 بلد.
مبيعات الكتب الورقية في مكتبات «فويلز» في بريطانيا وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال فترة أعياد الميلاد في ديسمبر الماضي، ولم تبق هذه المحلات على بيع الكتب فحسب إنما تخطت ذلك لتصبح ملاذا للمثقفين الباحثين عن الكتب والتجمعات الثقافية وهم يرتشفون القهوة.
ولم تكن «فويلز» هي الوحيدة التي وسعت دائرة بيع الكتب إلى ما هو أبعد من ذلك إنما تبنت المحلات الصغيرة المستقلة لبيع الكتب نفس المنهج الذي يمزج ما بين القراءة والثقافة والتبادل الإنساني في أجواء اجتماعية حقيقية بعيدا عن العالم الافتراضي الذي فرضته علينا التكنولوجيا منذ أن فتكت بالمجتمعات وغيرت معالمها.
لدرجة أن مشهد المحلات المتراصة جنبا إلى جنب في الأسواق اختلف بسبب التكنولوجيا، فالأسواق في الماضي في أوروبا كانت تضم اللحام والخباز ومحل بيع الصحف، بينما اليوم تبدل المشهد وأصبحت محلات الحلاقة والتجميل وبيع السجائر الإلكترونية هي الطاغية على أي سوق من أسواق أوروبا وأميركا.
ولكن هناك حنين حاليا للعودة إلى الماضي، فالناس تعبوا من التكنولوجيا، التي هي سلاح ذو حدين، والأهم من هذا هو أنها قد تتحول إلى متاهة يضيع فيها عبيدها، لأن التكنولوجيا بجميع أشكالها بما فيها القراءة الإلكترونية هي حالة نفسية أصبح لها مصحات وعيادات خاصة بمداواة المدمنين عليها.
في الولايات المتحدة تخسر شركة بارنز ونوبل العملاقة مبلغ 70 مليون دولار في السنة لقاء مبيعات الكتب الإلكترونية على عكس مبيعات الكتب الورقية فيها التي ارتفعت بواقع 5%.
واللافت هو أن الأسواق الأميركية والبريطانية متشابهة من حيث توجه المثقفين فيها إلى القراءة الورقية، وقد يكون أكثر الرابحين حاليا المحلات المستقلة لبيع الكتب ويعود السبب إلى أن زيارة هذه المحلات هي بمثابة تجربة.
ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه تلك المحلات منافسة مبيعات مواقع مثل أمازون أو محلات عالمية كبرى من حيث الخيار والأسعار، فهي تعوض عن ذلك من خلال تقديم خدمات إضافية، لتتحول هذه المقاصف إلى شيء أشبه بالمواقع السياحية التي يقصدها المهتمون بالسياحة الثقافية وتمضية ساعات مع أناس يشاطرونهم هواية القراءة والتفاعل الحقيقي، كما أن الناس متعطشون إلى رائحة الكتب ولمس الورق.
ومن الأسباب الأخرى التي تجذب الناس إلى محلات بيع الكتب هو الجو العام في المتجر وطريقة عرض الكتب ومساعدة العاملين فيها من خلال إعطاء النصائح للمهتمين بالكتب بمواضيع معينة، كما أن تلك المحلات تقدم الكثير من العروضات المغرية، وفي الكثير منها بنوك للكتب القديمة، وهذا الأمر يخلق شيئا من الشعور بالانتماء إلى مجتمع مصغر وهذا ما نفتقده في ظل حياتنا التي تهيمن عليها التكنولوجيا.
يشار إلى أن شركة أمازون أطلقت أجهزة كيندل عام 2007 ووصلت المبيعات إلى أعلى مستوياتها في عام 2011 وبيع نحو 13.44 مليون جهاز بحسب إحصائيات فوربس، غير أن هذا الرقم الخيالي هبط إلى 9.7 مليون في عام 2012.
ويعزو جايمس دونت الرئيس التنفيذي في الـ«فايننشيال تايمز» طفرة بيع الكتب الورقية من جديد لتجديد شركة «ووترستونز» 290 محلا تابعا لها وتحويلها إلى أماكن لتناول القهوة والطعام وشراء الكتب ومناقشة شتى المواضيع وخلق بوتقة ثقافية اشتاق إليها النهمون على القراءة والتوسع الذهني، كما أن هذه المحلات استقطبت شريحة أكبر من القراء بعد تخصيصها مساحات شاسعة للصغار والعائلات ونواد للكتب بمختلف أنواعها ومواضيعها.
ومن الملاحظ حاليا افتتاح عدة محلات لبيع الكتب بعدما اُعتقد أن الكتاب صار شيئا كان من الماضي، وإذا به ينهض من جديد مثل طائر الفينيق ويزيح التكنولوجيا من الساحة، عائدا بشكل أقوى وأكثر جاذبية لأن أصحاب المحلات على دراية بما يريده الناس حاليا لا سيما بعدما أصبحت حتى الثقافة افتراضية.
المصدر: الشرق الأوسط

