
بحث عن “شات جي بي تي” في محرك جوجل
ومع احتفال جوجل بمرور 25 عاما على إنشائها، تجد شركة التكنولوجيا العملاقة نفسها في مشهد تغير بشكل درامي منذ أن دشنها لاري بيدج وسيرجي برين في عام 1998. كانت جوجل في ذلك الحين مجرد محرك بحث على شبكة الإنترنت، وقد قضت شهورها الأولى في جراج سيارات سوزان وجيسكي، التي أصبحت فيما بعد المديرة التنفيذية لـ يوتيوب.
لستم بحاجة إلى ن أحدثكم عن النجاح الهائل الذي حققه محرك البحث. وقد مر 17 عاما منذ دخول كلمة جوجل رسميا قاموس اللغة الإنجليزية. أتذكر مناقشة أجريناها في بي بي سي بشأن ما إذا كان ينبغي أن نستخدم الكلمة كفعل خلال البث الحي لأن ذلك قد ينطوي على إعلان مجاني للشركة.
نجاحات وإخفاقات
من البريد الإلكتروني إلى الهواتف الذكية، من البرمجيات إلى المكونات المادية لأجهزة الكمبيوتر، من السيارات التي تسير بدون سائقين إلى المساعِدات الرقمية إلى يوتيوب – طورت جوجل (واستحوذت على) مئات المنتجات والخدمات. بيد أنها لم تكن جميعا ناجحة.
فهناك 288 مشروعا أحالته جوجل إلى التقاعد، وفق موقع Killed by Google، بما في ذلك منصة ستاديا (Stadia) للألعاب الإلكترونية وسماعات الواقع الافتراضي المنخفضة السعر جوجل كارد بورد (Google Cardboard).

عرض فيل هاريسون نائب رئيس جوجل جهاز التحكم الخاص بمنصة ألعاب الفيديو Stadia خلال إطلاقها عام 2019
السؤال الآن هو ما إذا كانت جوجل ستستطيع أن توسع وجودها الطاغي ليشمل عالم الذكاء الاصطناعي الذي يتسم بالتغيرات والتطورات السريعة.
هناك تمتمات، صدر بعضها من داخل جوجل ذاتها، بأن الشركة تخلفت عن الركب.
وقد وجدت مذكرة مسربة كتبها أحد مهندسي جوجل طريقها إلى شبكة الإنترنت، والتي يقول فيها إن الشركة ليس لديها وصفة سرية للذكاء الاصطناعي، وإنها ليست في موقع يؤهلها للفوز في السباق.
معركة روبوتات الدردشة

بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتي يطلق عليها روبوتات الدردشة
بالنسبة للكثير من الأشخاص، المرة الأولى التي تفاعلوا فيها عمدا مع الذكاء الاصطناعي – والتي أثارت إعجابهم – كانت مع شات جي بي تي ChatGPT، روبوت الدردشة الذي شهد إقبالا واسعا في مختلف أنحاء العالم بعيد إطلاقه في نوفمبر عام 2022.
وتلقت الشركة المنتجة له، أوبن أيه آي (Open AI) استثمارات قيمتها مليارات الدولارات من شركة مايكروسوفت، التي تعكف حاليا على تضمينه في منتجاتها، مثل محرك البحث بينج (Bing) ومايكروسوفت أوفيس 365 (Microsoft Office 365).
أُطلق على شات جي بي تي لقب “قاتل جوجل” بسبب الطريقة التي يستطيع من خلالها الإجابة على الأسئلة مباشرة ودفعة واحدة، بدلا من إعطاء المستخدم صفحات عديدة من نتائج البحث.
يستخدم روبوت الدردشة الشهير نظاما لمعالجة اللغة يعرف باسم “المحول” (transformer)، وهو من اختراع جوجل في واقع الأمر، ولكن عندما أطلقت جوجل روبوت الدردشة الخاص بها Bard (بارد)، لم يُحدث نفس الأثر.
وكان إطلاقه حذرا بشكل آثار الدهشة، حيث قالت شركة التكنولوجيا العملاقة إنه غير ملائم للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، ووصفه مسؤول تنفيذي كبير بأنه “تجربة”.
ولربما كان من أحد أسباب ذلك الحذر حدث غريب سبق إطلاق Bard.
ما هو النموذج اللغوي الكبير؟

كانت النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) مصدرًا للكثير من الإثارة والقلق. في السنوات الأخيرة، أظهرت نماذج LLM، وهي نماذج التعلم العميق التي تم تدريبها على كميات هائلة من النصوص، أداءً رائعًا في العديد من المعايير التي تهدف إلى قياس فهم اللغة
الأساس الذي يقوم عليه أي روبوت دردشة هو ما يسمى “النموذج اللغوي الكبير” (Large Language Model) أو إل.إل.إم (LLM). ومن بين نماذج إل.إل.أم الأولى التي ابتكرتها جوجل نموذج يطلق عليه اسم “لامدا” (Lamda).
أحد المهندسين الذين عملوا على ذلك النموذج صار مقتنعا بأنه لديه وعي إدراكي. ونشر ذلك المهندس صفحات طويلة من محادثات يزعم أنها تثبت وجهة نظره بأن لامدا لديه مشاعر وأفكار مثل البشر.
بالطبع هذا هو بالضبط ما يتم تدريب النموذج اللغوي الكبير على فعله – أي إنتاج نصوص تشبه النصوص البشرية. وقد نفت جوجل مرارا أن يكون لامدا قادرا على أي شيء آخر أكثر من ذلك، وأقالت ذلك المهندس من وظيفته.
لكن الواقعة حظيت بتغطية إخبارية حول أنحاء العالم وزادت من حالة القلق المحيطة بالذكاء الاصطناعي قبل وقت طويل من احتلال الجدل المثار حوله عناوين الأخبار – تلك العناوين التي ربما كانت جوجل تفضل ألا تكون جزءا منها.
جوجل لم تتخل عن خططها للذكاء الاصطناعي

يتم تحديد وظيفة البروتين من خلال شكله ثلاثي الأبعاد عن طريق نظام شركة جوجل لـ الذكاء الاصطناعي DeepMind
ففي مؤتمر المطورين السنوي الذي عقدته جوجل في مايو الماضي، أعلنت الشركة عن 25 منتجا جديدا تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي.
وفي بيان على موقعها، أعلنت أنها تقف في المقدمة فيما يتعلق بتطوير هذا المجال.
وتمتلك جوجل شركة “ديب مايند DeepMind” المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، وقد طورت الشركة برنامج ذكاء اصطناعي هو Alpha Fold (ألفا فولد) الذي له إمكانية تعزيز اكتشاف أدوية وعلاجات جديدة.
في أغسطس الماضي، حضر تشيراج ديكاتي من مؤسسة Gartner (جارتنر) للتحليلات مؤتمر Google Next الذي ناقش مستقبل عالم التكنولوجيا، والذي يقول إنه ركز بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي.
يضيف ديكاتي: “جوجل تعد نفسها لكي تصبح رائدة في اقتصاد الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gerative AI) الناشئ”.
سلاح غير سري

شعار جوجل كلاود
وترى المحللة كارولينا ميلانيسي من مؤسسة Creative Strategies (كرييتيف ستراتيجيز) أيضا أننا لا ينبغي أن نتعجل بشطب جوجل من المعادلة.
تقول ميلانيسي: “لست مقتنعة تماما بالرأي القائل بأن قطار الذكاء الاصطناعي قد فاتهم”.
“الفرصة متاحة أمامهم في مجال الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات ومنتجات لكل من الأفراد والشركات”.
وتتفق سوزانا ستريتر مديرة شؤون المال والأسواق بجموعة هاررجيفز لانسدون (Hargreaves Lansdown) الاستثمارية مع هذا الرأي.
وتقول إن سلاح جوجل غير السري قد يتمثل في خدمة السحابة الإلكترونية الناجحة التي تقدمها.
تسمح خدمات السحابة الإلكترونية للشركات بالاستفادة من شبكة ضخمة من أجهزة الكمبيوتر وبقدرة معالجة بيانات هائلة كان سيكون من الصعب لوجستيا على غالبية الشركات أن تمتلكها أو تجد مكانا ماديا لها.
تضيف ستريتر قائلة إن “مجموعة ألفابيت تسعى لوضع نفسها في قلب ثورة الذكاء الاصطناعي بمساعدة مشروع Google Cloud (جوجل كلاود أو سحابة جوجل) الذي تمتلكه، نظرا للطلب الكبير الذي يأتيها من الشركات، كبيرها وصغيرها، لتحديث بنيتها التحتية وسعة تخزينها كي تكون مهيئة للتعامل مع الأحمال الضخمة الناتجة عن تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي”.
“صحيح أنها ربما تكون الأصغر من بين خدمات السحابة الإلكترونية الثلاث بعد كل من “ماسكروسوفت أزور” و “أمازون ويب سيرفيس”، ولكنها قوية التأثير”.
الصحفي تيم داولينج كتب ذات مرة عن توقفه عن استعمال خدمات جوجل لمدة أسبوع، ووصف محاولة ترتيب زيارة إلى السينما بأنها تشبه “التسوق على ضوء الشموع”.
وإذا ما استطاع عدد قليل فقط من منتجات الذكاء الاصطناعي التي ستطورها جوجل أن يثبت نفسه بالطريقة ذاتها، سوف يكون بإمكانه أن يبقى المصابيح مضاءة.
المصدر: بي بي سي

