الذكاء الاصطناعي في الأولمبياد: تطور أم ظلم للدول الأقل تطوراً

دورة الألعاب الأوليمبية باريس 2024

دورة الألعاب الأوليمبية باريس 2024

شهدت دورةُ الألعاب الأولمبية في باريس، التي انعقدت في الفترة من 26 يوليو 2024 حتى 11 أغسطس 2024، اجتماع أكثر من 10 آلاف رياضي من حوالي 200 دولة؛ إلا أن أبرز ما ميز تلك الدورة هي كونها “أول أولمبياد للذكاء الاصطناعي”، حيث انخرط شركاء التكنولوجيا الأولمبيون في عرض مبادرات الذكاء الاصطناعي الجديدة.

تنوعت هذه المبادرات من برامج الدردشة للرياضيين إلى توصيات الأداء التي يتم إنشاؤها بواسطة التعلم الآلي، وهي المبادرات التي استهدفت في جانب رئيسي منها تطوير منظومة الألعاب الأولمبية، والمساعدة في إنجاح تنظيم الدورة.

استفادة واسعة

في مبادرة رائدة، أطلقت اللجنة الأولمبية الدولية أجندة الذكاء الاصطناعي الأولمبية في أبريل 2024، والتي تحدد سلسلة من المبادئ للدور الذي تتخيله اللجنة للتكنولوجيا، والتأثير المتوقع الذي يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي للرياضة، حيث تعد الدورة الأولمبية في باريس هي النموذج الأولي للتنفيذ.

وتعد هذه هي الوثيقة الثالثة ضمن الوثائق الاستراتيجية التي أُطلقت تحت قيادة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية “توماس باخ”؛ حيث سبق وصدرت وثيقة أجندة أولمبياد 2020، التي أطلقت في ديسمبر 2014، ووثيقة أجندة أولمبياد 2020+5، التي أطلقت في مارس 2021.

وتحدد الوثيقة الحالية التأثير المتوقع الذي يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي للرياضة، وكيف تعتزم اللجنة الأولمبية الدولية، بصفتها زعيمة الحركة الأولمبية، أن تقود التنفيذ العالمي للذكاء الاصطناعي في الرياضة.

وقد حدد هذا التقرير طموح اللجنة الأولمبية الدولية ومبادئها التوجيهية، وحدد المجالات ذات التأثير العالي لتطبيق الذكاء الاصطناعي، واستكشف الإطار وآليات الحوكمة اللازمة للتخفيف من المخاطر، وتعزيز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي. كما حدد أربعة التزامات قطعتها اللجنة الأولمبية الدولية وهي تتخذ الخطوات الأولى في دمج الذكاء الاصطناعي في النظام البيئي الأولمبي، والاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي في عملياتها، وفي الألعاب الأولمبية وعبر الحركة الأولمبية.

الفيديو التالي يوضح نظام VenueTwin: تم تطويره بواسطة OnePlan، حيث سمح “التوائم الرقمية” للأماكن الرياضية للجنة المنظمة بتخطيط المساحة والسيناريوهات وجميع الجوانب المتعلقة بالسير الآمن للأولمبياد.

وعطفاً على ما سبق، فإن دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 أظهرت مجالات مختلفة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تعزيز الأمن السيبراني للرياضيين:

أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في وقت سابق من هذا العام (2024) عن نظام المراقبة المدعوم بالذكاء الاصطناعي والمصمم لحماية الرياضيين من الإساءة عبر الإنترنت (Threat Matrix)، حيث يقوم النظامُ بفحص المنشورات بـ35 لغة مختلفة خلال الأولمبياد، ومن ثمّ إنشاء بيئة آمنة رقمياً خلال الألعاب الأولمبية، حيث يواجه الرياضيون الشعبيون على وجه الخصوص ردود فعل عنيفة كبيرة إذا لم يُلَبِّ أداؤهم التوقعات.

وبناء عليه، يقوم الذكاء الاصطناعي بمراقبة مئات الآلاف من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للرياضيين والمسؤولين، والإبلاغ عن الرسائل المسيئة للتدخل من قبل المنصات ذات الصلة وإزالتها على الفور قبل أن يتمكن الرياضيون من رؤيتها. فقد خلصت تقديرات اللجنة إلى أن دورة باريس ستولد أكثر من نصف مليار منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.

2- دعم آليات التواصل الفعال من خلال روبوت دردشة خاص بالرياضيين:

تم طرح AthleteGPT، وهو روبوت محادثة بالذكاء الاصطناعي مصمم للرياضيين، ويمكنهم الوصول إليه من خلال تطبيق Athlete365 المتاح على الهواتف المحمولة. وقد تم تطوير روبوت المحادثة، وهو نموذج لغوي كبير (LLM)، من خلال شركة Mistral AI، ومقرها باريس، ومعالجات Gaudi التابعة لشركة Intel، وهي إحدى البصمات البارزة للذكاء الاصطناعي في أولمبياد هذا العام. فبالنسبة للرياضيين المعتمدين في الألعاب، تم تصميم الخدمة لتوفير إجابات سهلة وسريعة للأسئلة الشائعة حول مواضيع مثل إرشادات وسائل التواصل الاجتماعي وقواعد مكافحة المنشطات.

3- تحسين أداء الرياضيين وتدريبهم:

يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانات هائلة لمساعدة الفرق والرياضيين على اكتساب رؤى دقيقة حول أدائهم وتعديل تدريبهم وفقاً لذلك. فمن خلال تسجيل الرياضيين على التطبيقات المتاحة باستخدام الهواتف الذكية، أضحى من الممكن لتقنية تتبع الرياضيين ثلاثية الأبعاد من إنتل المدعومة بالذكاء الاصطناعي تتبع 21 نقطة عبر جسم الإنسان لتقييم حركته الجسدية الدقيقة، مما يوفر الرؤى البيوميكانيكية التي يبحث عنها المدربون في الرياضيين.

يعرض الفيديو التالي نظام Vicon. فهو يحلل معايير السباحين من خلال تتبع تحركاتهم تحت الماء وعلى السطح، مما يساعد على تحسين تقنيات السباحة.

كما شهد الأولمبياد طفرة في استخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء؛ حيث تراقب الأجهزة القابلة للارتداء المزودة بأجهزة استشعار معايير فسيولوجية مختلفة، مثل: معدل ضربات القلب، ومستويات الأكسجين، والميكانيكا الحيوية. وتساعد هذه البيانات المدربين والرياضيين على تصميم برامج التدريب الجماعية والفردية، وتحديد جداول التغذية المثلى، وتحسين الأداء ومنع الإصابات، بل وتصميم الأحذية والملابس الرياضية المخصصة. كما تستخدم العديد من الرياضات الاحترافية والهواة الذكاء الاصطناعي، وخاصة التعلم الآلي، للمساعدة في فرز وتصنيف اللقطات وطرح مجالات تحسين الأداء.

4- إحداث طفرة في اكتشاف المواهب: 

إن سهولة جمع البيانات الفردية، جنباً إلى جنب مع تحليل الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يساعد المدربين أيضاً في اكتشاف المواهب الجديدة. فقد نشر عمالقة التكنولوجيا مثل شركة إنتل وسامسونج إلكترونيكس نظاماً لتحديد المواهب يعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن للمشاركين اختباره في استاد فرنسا؛ حيث يمكن للمشاركين من خلال استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وتكنولوجيا الرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي المستند إلى السحابة من إنتل، أداء تمارين رياضية مختلفة ثم تلقّي اقتراحات إنتل بشأن الرياضة الأولمبية التي يجب أن يمارسوها.

وفي مارس 2024، أطلقت اللجنة الأولمبية الدولية برنامجاً استكشافياً استخدم (3DAT) لتحديد أكثر من 40 طفلاً في السنغال أظهروا مهارات واعدة بأن يصبحوا رياضيين أولمبيين لدورة الألعاب الأولمبية للشباب المقرر إقامتها في عام 2026، من خلال تحليل التدريبات البسيطة مثل الجري والقفز. مما يجعل الرياضة أكثر عدالة، ويضمن تقديم فرص متساوية لأكبر عدد ممكن من الدول المختلفة، وينبئ بمستقبل أكثر تنوعاً وشمولاً في المجال الرياضي.

5- الدقة في اتخاذ القرارات التحكيمية لحظياً:

يتم استخدام تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتوفير رؤى أعمق في جوانب مختلفة من الألعاب. فباستخدام الذكاء الاصطناعي يسهل اتخاذ القرارات التحكيمية بدقة، ويتم تطبيق ذلك في كرة القدم، من خلال استخدام المعلومات المسجلة بواسطة مجموعة من الكاميرات حول الملعب والرقائق المزروعة في الكرة.

وفي حين لم تنتشر تلك التقنيات بتوسع في الرياضات الأخرى، حيث يصعب إزالة الغموض وبصفة خاصة في الرياضات التي تتطلب الاحتكاك الجسدي. فإن أولمبياد باريس قد شهد طفرة في ذلك المجال، فقد أدى التعاون مع شركة OMEGA في استخدام قوة الذكاء الاصطناعي إلى تقديم بيانات أسرع وأكثر صلة وعمقاً خلال الألعاب الأولمبية، وبصفة خاصة في بعض الرياضات التي تحتاج تقنيات خاصة في متابعتها مثل الرياضات المائية وألعاب القوى والجمباز، مما يوفر مجموعة جديدة من البيانات حول أداء كل رياضي في الهواء أو الماء.

وتساعد تقنية تتبع الحركة القائمة على الذكاء الاصطناعي أيضاً المحكمين والمعلقين والمشاهدين على تتبع مواقع الرياضيين أثناء سباق القوارب والماراثون والمشي السريع وركوب الدراجات على الطرق، وركوب الدراجات الجبلية والسباحة الماراثونية والتجديف والإبحار وغيرها. وقد أحدث ما سبق ثورة في مجال التحكيم الرياضي، وبالتالي تعزيز العدالة في الرياضة.

الفيديو التالي نظام دعم التحكيم من فوجيتسو باستخدام تقنية الاستشعار AI/3D للجمباز

6- تحسين تجربة المشاهد وتعزيز التواصل مع الألعاب الأولمبية:

تغذي البيانات الضخمة التي تم جمعها أثناء الألعاب ليس فقط خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضاً مشاهدي وسائل الإعلام المختلفة الشغوفين بالإحصاءات؛ حيث تسهم تلك الإحصاءات والأرقام في إثراء تجربة المشاهد والمناقشات التي يتم إجراؤها حول الألعاب المختلفة من خلال توفير معايير إضافية للمقارنة مثل التسارع والسرعات القصوى وأطوال الخطوة. وتسهم هذه التطورات في رفع مستوى تجربة المشاهدة، وتنمية رابطة أقوى بين المشجعين والرياضيين الذين يشجعونهم.

كما توفر الملاعب المزودة بتركيبات الواقع المعزز شاشات رقمية تفاعلية تعمل على تحسين تجربة المشاهدة؛ حيث يمكن للمتفرجين استخدام نظارات الواقع المعزز لرؤية البيانات والرسومات في الوقت الفعلي للحدث الذي يحدث على أرض الملعب. كما تسمح تطبيقات الواقع المعزز الرياضية أيضاً للمشجعين بالتزامن في رؤية إحصائيات اللاعبين ومعلومات اللعبة باستخدام هواتفهم الذكية، مما يجعل التجربة أكثر تفاعلاً.

وفي هذا الصدد، ومن خلال منصة الذكاء الاصطناعي Geti من Intel، يمكن توفير لقطات شخصية للمشاهدين، واختيار المشاهد لما يريد رؤيته بالضبط، وتجميع اللقطات المختارة وعرضها تلقائياً من خلال تقنية (Automatic Highlights Generation)، وهو ما يعد طفرة في البث الرياضي. كما أنه قد يكون أكثر إفادة للمدربين والمذيعين من الدول التي لديها وصول محدود إلى حقوق البث.

7- دعم تجارب البث المحسنة وخدمات المشاركة: 

حيث يستخدم المذيعون الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات وتقديم إحصائيات وتوقعات في الوقت الفعلي للمشاهدين.

وتلتقط الكاميرات والطائرات بدون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي صوراً ومقاطع فيديو عالية الدقة، مما يوفر وجهات نظر فريدة ويعزز جودة البث. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحليل اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي وقياس المشاعر العامة، مما يساعد المنظمين على فهم الجمهور والتفاعل معه بشكل أفضل.

فقد تم التعاون مع الشريك الأولمبي العالمي “علي بابا” لتوفير عدد قياسي من أنظمة إعادة التشغيل متعددة الكاميرات عالية الجودة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد ورسم خرائط لوجهات نظر إضافية عبر عدد من الرياضات. كما يمكن نقل المحتوى المتعلق بالألعاب الأولمبية عبر السحابة للتقليل بشكل فعال من البصمة الكربونية.

8- المساعدة في تحسين استهلاك الطاقة والتخطيط الفعال:

ففي حين تستخدم الألعاب مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل بصمتها الكربونية. فإنه يتم استخدام أنظمة إدارة الطاقة الفعالة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة وتحسين استهلاك الطاقة في جميع المواقع.

كما تم استخدام مفهوم التوأمة الرقمية، أو التمثيلات الرقمية للأماكن بالشراكة مع Intel، من أجل التخطيط الأمثل للأماكن التي تحتاج إلى الطاقة، والأماكن التي تحتاج إلى وضع الكاميرات، وما إذا كانت هناك أي مشكلات تتعلق بإمكانية الوصول، كل ذلك دون الحاجة إلى التواجد في الموقع في كل مرة، وهو ما من شأنه أن يمهد الطريق لتخطيط أكثر كفاءة للألعاب الأولمبية في المستقبل.

9- تجهيز البنية التحتية الذكية:

حيث تم نشر أنظمة المراقبة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة تحركات الحشود وضمان الأمن، ويمكن لهذه الأنظمة التعرف بسرعة على التهديدات الأمنية المحتملة والاستجابة لها، مما يضمن بيئة آمنة للرياضيين والمتفرجين. علاوة على ذلك، تعمل أنظمة إدارة المرور الذكية على تحسين طرق النقل، وتقليل الازدحام، وتحسين تدفق الأشخاص والأجهزة أثناء الأحداث الرياضية.

تحديات قائمة

الدول النامية سوف يعاني رياضيوها من عدم توفر نظم الذكاء الاصطناعي لهم

الدول النامية سوف يعاني رياضيوها من عدم توفر نظم الذكاء الاصطناعي لهم

بالرغم من المكاسب الناجمة عن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة، فإن ثمة تحديات لا تزال قائمة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- معضلة العدالة في استفادة الدول من الذكاء الاصطناعي:

على الرغم من المزايا التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، إلا أن تكلفة امتلاك تلك التطبيقات والتحديث المستمر لها ستظل حكراً على الدول المتقدمة، مما قد يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الدول الغنية التي تهيمن بالفعل على أكبر عدد من الميداليات وبقية دول العالم، وهو أحد المخاطر التي سلطت اللجنة الأولمبية الدولية الضوء عليها في أجندتها للذكاء الاصطناعي، وإن كانت قد قطعت وعداً بأن تجعل الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الرياضة أمراً متاحاً للجميع؛ حيث أعلنت اللجنة الأولمبية استخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف المواهب، وإطلاق هذا المشروع عالمياً في عام 2025.

وحقيقة الأمر، فإن تلك الفجوة تظهر بشكل واضح من خلال توقعات نمو سوق الذكاء الاصطناعي في المجال الرياضي؛ حيث من المتوقع أن يشهد حجم سوق الذكاء الاصطناعي في صناعة الرياضة نمواً كبيراً بسبب الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا في الرياضة، من (5.93) مليار دولار في عام 2024 إلى (20.94) مليار دولار بحلول عام 2029، وذلك بمعدل نمو سنوي مركب يزيد على (28.69%)، وفقاً لبيانات شركة أبحاث السوق Mordor Intelligence. وتعد أكبر المناطق حالياً في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في المجال الرياضي أمريكا الشمالية، أما أكثرها نمواً فهي منطقة آسيا المحيط الهادئ، بينما تظل أفريقيا هي الأقل نمواً في هذا المجال.

2- تراجع المساواة التكنولوجية بين اللاعبين:

وهو الأمر الذي بات ملحوظاً من خلال تراجع بعض الدول في بعض الرياضات التي كانوا يحققون فيها نتائج كبيرة نتيجة للفارق في استخدام التكنولوجيا.

فقد لاحظنا أن دمج العديد من الرياضيين للتكنولوجيا والبيانات في تدريبهم واستعداداتهم للأحداث الرياضية، قد منحهم ميزة ضد الرياضيين الأفارقة الذين يستخدمون القليل من التكنولوجيا أو لا يستخدمونها على الإطلاق.

فقد شهد الأولمبياد استراتيجيات جديدة في مضمار ألعاب القوى، والتي كان من المفترض أن تكون معاقل أفريقية. وتظهر النتائج أن الاستعدادات المكثفة لهذه الأحداث من قبل الرياضيين الذين يخرجون منتصرين، قد منحتهم ميزة تنافسية في مقابل أقرانهم من الأفارقة. ففي نهائي (800) متر للسيدات فازت المتسابقة البريطانية بالسباق متقدمة على كل من الإثيوبية والكينية، حيث أظهرت سرعتها في السباق بأكمله أنها كانت مستعدة جيداً، وتعرف كيف تظل متقدمة على أقرانها.

3- الفجوة في امتلاك البيانات الداعمة للذكاء الاصطناعي:

من المرجح أن بعض الرياضات والدول التي لديها دوريات احترافية كبيرة ستحتفظ بميزة كبيرة عن غيرها من الدول، لأنها تمتلك الموارد لجمع بيانات عالية الجودة، وتدريب الخوارزميات عليها. ففي بعض الرياضات الأولمبية، لا توجد وفرة كبيرة من تلك البيانات، الأمر الذي يؤثر على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات اختيار اللاعبين. كما يمتد الأمر إلى كيفية استخدام التكنولوجيا في جوانب أخرى من هذه الألعاب، مثل التحكيم.

4- تصاعد الفجوة بين الألعاب الرياضية:

ستظل بعض الرياضات أكثر استفادة من الذكاء الاصطناعي مقارنة بغيرها، نتيجة للعقبات التمويلية، والاحتياجات المحددة لكل رياضة.

فعلى الرغم من أن كرة الماء هي أقدم رياضة جماعية أولمبية، إلا أن الأموال التي تدرها ليست كبيرة كما هو الحال في كرة السلة أو كرة القدم، الأمر الذي قد يُضعف حجم التمويل المخصص لاستفادة تلك الرياضة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في كرة الماء من شأنه أن يواجه تحديات مختلفة، مثل تدريب الخوارزميات على الصور الملتقطة تحت الماء.

5- التضليل المعلوماتي والإساءة إلى الدولة المضيفة:

فباستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي نفسها، فرضت موسكو حضورها خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس؛ إذ تم اتهام مجموعات تضليل مرتبطة بالحكومة الروسية بنشر ادعاءات تحريضية ومهاجمة الدولة المضيفة، حيث تم نشر مقاطع فيديو وصور تندد بأولمبياد 2024 باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما تم نشر الشائعات حول عدد من اللاعبين.

6- التشكيك في قدرة الذكاء الاصطناعي: 

حيث أبدت بعض الشركات اعتراضها على استخدام الذكاء الاصطناعي في الألعاب الأولمبية، نتيجة لاعتقادها بأن الذكاء الاصطناعي لا يعد القوة الدافعة للتكنولوجيا في دورة باريس.

فعلى سبيل المثال، شكك “مايكل هيمان”، نائب رئيس الرياضة العالمية في شركة Getty Images، في قدرة الذكاء الاصطناعي في مجال التعرف على الوجه على المساعدة في تحديد الرياضي الموجود في صورة معينة، حيث رأى أنه قد ينجح في دوري محترف يضم عدداً متواضعاً نسبياً من اللاعبين، لكنه ليس جاهزاً بعد للتعرف على وجوه الآلاف من الرياضيين الأقل شهرة.

كما أعلنت شركة (Warner Bros. Discovery)، التي تمتلك حقوق البث في أوروبا، أنها قررت عدم استخدام الذكاء الاصطناعي في باريس؛ حيث ترى أنها لم تتوصل بعد إلى كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في بث الأحداث الرياضية الحية.

أما شركة (Airweave)، وهي الشركة اليابانية المصنعة للمراتب البلاستيكية المعيارية التي توضع فوق إطارات الأسرة الكرتونية في القرية الأولمبية، وعلى الرغم من قيام الشركة بإجراء مسح عالي التقنية لأجسام الرياضيين بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد المستوى المثالي للصلابة لكل من قطاعات المراتب الثلاثة، فلا تزال تلك المراتب تتلقى آراء متباينة من الرياضيين. على الجانب الآخر، لا يرى الجميع أن الذكاء الاصطناعي هو الحل السحري للتحديات الأولمبية.

ختاماً، يمكن القول إن أولمبياد باريس 2024 يُعد توثيقاً واقعياً لقدرة التكنولوجيا على إحداث ثورة في عالم الرياضة؛ حيث ستلعب التكنولوجيا عموماً والذكاء الاصطناعي بشكل خاص دوراً حيوياً متزايد الأهمية في تشكيل مستقبل الألعاب الأولمبية والرياضة بشكل عام، بينما سيقع على عاتق المنظمات الرياضية العالمية عبء معالجة التحديات التي يفرضها ذلك الاستخدام.


المصدر: موقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية – وكالات

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.