تطبيق “ديب سيك” الصيني يزلزل أسواق التكنولوجيا

تطبيق ديب سيك الصيني ستفوق علي تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفي مقدمتها شاتجي بي تي

تطبيق ديب سيك الصيني ستفوق علي تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفي مقدمتها شاتجي بي تي

انخفضت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، الاثنين 27 يناير، بعد الصعود السريع لروبوت الدردشة الصيني “ديب سيك” منخفض التكلفة. وتفوق التطبيق الصيني، بعد إطلاقه الأسبوع الماضي، على منافسِين مثل تطبيق “شات جي بي تي” التابع لشركة “أوبن إيه آي” الأمريكية، ليتصدر قائمة التطبيقات المجانية الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة.

إن إطلاق شركة “ديب سيك DeepSeek” الصينية الناشئة لأحدث نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والتي تقول إنها تضاهي أو تتفوق على النماذج الرائدة في الولايات المتحدة بجزء بسيط من التكلفة، يهدد بقلب النظام العالمي للتكنولوجيا.

وقد جذبت الشركة الانتباه في دوائر الذكاء الاصطناعي العالمية بعد أن كتبت في ورقة بحثية الشهر الماضي أن تدريب نسختها DeepSeek-V3 يتطلب أقل من 6 ملايين دولار من قوة الحوسبة من رقائق شركة نفيديا H800.

تفوّق تطبيق DeepSeek’s AI Assistant، المدعوم من نظام DeepSeek-V3، على منافسه “شات جي بي تي ChatGPT” ليصبح التطبيق المجاني الأعلى تصنيفاً على متجر تطبيقات شركة أبل “أبل ستور” في الولايات المتحدة.

وقد أثار ذلك شكوكًا حول الأسباب الكامنة وراء قرار بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية بالتعهد بمليارات الدولارات في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي>

وانخفضت أسهم عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، مثل إنفيديا، صانعة الرقائق الإلكترونية المستخدمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكذلك أسهم مايكروسوفت، وميتا.

وفي المقابل، أعلن القائمون على تطبيق “ديب سيك” تقييد عمليات التسجيل في التطبيق مؤقتاً بسبب “هجمات خبيثة واسعة النطاق” على برنامجها.

وتمثل شعبية “ديب سيك” تحدياً على نطاق واسع للاعتقاد الراسخ بأن الولايات المتحدة هي الرائد التكنولوجي الذي لا يمكن منافسته في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يثير تساؤلات حول حجم الاستثمارات التي تخطط له الشركات الأمريكية.

وعزز من قوة هذا التحدي ظهور نموذج “ديب سيك في 3” المجاني، الذي يقول الباحثون القائمون عليه إن تطويره كلّف أقل من ستة ملايين دولار، ما يعني أن التكلفة كانت أقل بكثير من المليارات التي أنفقها المنافسون الآخرون.

وُوجهت هذه المزاعم بنوع من التشكيك من جانب المنافسين الآخرين في مجال الذكاء الاصطناعي.

يظهر شعار شركة ديب سيك إلى جانب تطبيق مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بها على هاتف محمول، في هذه الصورة التوضيحية المصممة في 28 يناير 2025

يظهر شعار شركة ديب سيك إلى جانب تطبيق مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بها على هاتف محمول، في هذه الصورة التوضيحية المصممة في 28 يناير 2025

ويتزامن ظهور “ديب سيك” مع حظر الولايات المتحدة لبيع تقنيات الرقائق الإلكترونية المتقدمة المستخدمة في تطوير الذكاء الاصطناعي للصين، ما دفع المطورين الصينيين إلى مشاركة أعمالهم فيما بينهم، وتجربة أساليب جديدة للتكنولوجيا حتى يواصلوا عملهم في ظل عدم توفر إمدادات مستقرة من تلك الرقائق المتقدمة.

ونتج عن ذلك التعاون نماذج للذكاء الاصطناعي تتطلب قدرات حوسبة أقل كثيراً من ذي قبل، كما يعني ذلك أن تكلفة هذه النماذج أقل أيضاً مما كان يعتقد في السابق، بالإضافة إلى قدرتها الكامنة التي يمكن أن تحدث تحولاً جذرياً في هذه الصناعة.

وبعد إطلاق برنامج “ديب سيك-آر 1” بداية الشهر الحالي، افتخرت الشركة بأدائها الذي يضاهي أحدث نماذج شركة “أوبن أيه آي” للذكاء الاصطناعي، حيث استخدم التطبيق الصيني لإنجاز مهام معقدة، مثل حل مسائل الرياضيات، والبرمجة، والاستدلال اللغوي الطبيعي.

ووصف مارك آندرسن، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمستثمر البارز في وادي السيليكون الأمريكي، تطبيق “ديب سيك R1” بأنه يمثل لحظة كتلك التي شهدت إطلاق القمر الاصطناعي السوفيتي “سبوتنك” للفضاء بالنسبة للأمريكيين، في إشارة إلى الصدمة التي شعرت بها الولايات المتحدة في عام 1957.

شعبية أذهلت الأسواق

وأحدث صعود تطبيق “ديب سيك” اضطراباً في الأسواق، حيث انخفضت أسهم شركة “ايه إس إم إل” الهولندية لصناعة الرقائق الإلكترونية بأكثر من 7%، بينما انخفضت أسهم شركة “سيمنز إنرجي” المتخصصة في صناعة الأجهزة ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي، بمقدار 20%.

وتقول فيونا سيناكوتا، محللة الأسواق المالية: “لم تكن فكرة النسخة الصينية منخفضة التكلفة متصدرة للمشهد بالضرورة، لكنها مثلت عنصر مفاجأة للأسواق إلى حد ما”.

وأضافت: “إن حصل أحد فجأة على هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة، فإن ذلك سيثير القلق حول أرباح المنافسين، خاصة في ظل الأموال التي استثمروها بالفعل في بنية تحتية أكثر تكلفة بالنسبة للذكاء الاصطناعي”.

ويقول في سيرن لينج، مستشار أسهم التكنولوجيا في سنغافورة، إن “ديب سيك” يمكن أن يعرقل الاستثمارات ذات الصلة بسلسلة التوريدات الخاصة بالذكاء الاصطناعي بأكملها.

في المقابل، تحذر مجموعة “سيتي” المصرفية العملاقة في وول ستريت، من أنه بينما يمثل تطبيق “ديب سيك” تحدياً للمكانة التي تهيمن عليها الشركات الأمريكية الكبرى، مثل “أوبن أيه آي”، فإن هناك بعض القضايا التي تواجه الشركات الصينية، التي قد تعرقل تطورها.

لماذا يثير ديب سيك ضجة كبيرة؟

يظهر شعار تطبيق الذكاء الاصطناعي ديب سيك والعلم الصيني في هذا الرسم التوضيحي المصمم في 27 يناير 2025

يظهر شعار تطبيق الذكاء الاصطناعي ديب سيك والعلم الصيني في هذا الرسم التوضيحي المصمم في 27 يناير 2025

تسبب إصدار ChatGPT الخاص بشركة OpenAI في أواخر عام 2022 في حدوث تدافع بين شركات التكنولوجيا الصينية، التي سارعت إلى إنشاء روبوتات الدردشة الآلية الخاصة بها التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.

ولكن بعد إصدار أول تطبيق صيني للذكاء الأصطناعي مكافئ لـ شات جي بي تي، والذي صنعه عملاق محرك البحث بايدو كانت هناك خيبة أمل واسعة النطاق في الصين بسبب الفجوة في قدرات الذكاء الاصطناعي بين الشركات الأمريكية والصينية.

لقد قلبت جودة نماذج “ديب سيك” وفعاليتها من حيث التكلفة هذا المفهوم رأساً على عقب. فالنموذجان اللذان حظيا بإشادة المديرين التنفيذيين في وادي السيليكون ومهندسي شركات التكنولوجيا الأمريكية على حد سواء، وهما DeepSeek-V3 و DeepSeek-R1، يتساوى مع نماذج شركات OpenAI و ميتا الأكثر تقدماً، حسبما قالت الشركة الصينية الناشئة.

كما أنها أرخص في الاستخدام. ووفقاً لمنشور على حساب “وي شات” الرسمي لـ ديب سيك، فإن استخدام DeepSeek-R1، الذي تم إصداره الأسبوع الماضي، أرخص بـ 20 إلى 50 مرة من طراز OpenAI o1، اعتماداً على المهمة.

قال الرئيس التنفيذي لشركة Scale AI ألكسندر وانج خلال مقابلة مع قناة CNBC يوم الخميس 23 يناير، دون تقديم دليل، أن شركة “ديب سيك” لديها 50,000 رقاقة لإلكترونية من رقائق Nvidia H100، والتي ادعى أنه لن يتم الكشف عنها لأن ذلك من شأنه أن ينتهك ضوابط التصدير التي تفرضها واشنطن والتي تحظر بيع مثل هذه الرقائق المتقدمة للذكاء الاصطناعي إلى الشركات الصينية.

أبرز محللو بيرنشتاين يوم الاثنين 27 يناير في مذكرة بحثية أن إجمالي تكاليف التدريب التي تكبدتها شركة ديب سيك لنموذج V3 لم تكن معروفة ولكنها كانت أعلى بكثير من مبلغ 5.58 مليون دولار الذي قالت الشركة الناشئة إنه تم استخدامه لقوة الحوسبة. وقال المحللون أيضًا إنه لم يتم الإفصاح عن تكاليف التدريب لنموذج R1 الذي لا يقل عنه في الأهمية.

من الذي أسس ديب سيك؟

لينج وينفينج مؤسس شركة ديب سيك الصينية للذكاء الاصطناعي

لينج وينفينج مؤسس شركة ديب سيك الصينية للذكاء الاصطناعي

أسس لينج وينفينج، خريج هندسة المعلومات والإلكترونيات البالغ من العمر 40 عاماً، الشركة التي انتجت تطبيق “ديب سيك” عام 2023 في مدينة هانجتشو جنوب شرقي الصين، كما أسس أحد صناديق التحوط لدعم ذلك التطبيق.

وتقول تقارير إن وينفينج احتفظ برقائق إلكترونية من نوع “نفيديا أيه 100” التي بات يُحظر تصديرها إلى الصين حالياً. ويعتقد الخبراء أن هذه المجموعة من الرقائق، التي يقدرها البعض ثمنها بنحو 50 ألفاً دولار، ساعدته في إطلاق تطبيق “ديب سيك”، من خلال الجمع بين هذه الرقائق، وأنواع أخرى أقل تكلفة لا تزال متاحة للاستيراد في الصين.

وشوهد وينفينج مؤخراً في اجتماع بين رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانج، وخبراء في مجال الصناعة.

وقال وينفينج في مقابلة مع شبكة “تشاينا أكاديمي” في يوليو الماضي، إنه فوجئ برد الفعل تجاه النسخة السابقة من نموذجه للذكاء الاصطناعي. وأضاف: “لم نكن نتوقع أن يكون تحديد السعر قضية حساسة إلى هذه الدرجة، فنحن ببساطة نسير بوتيرتنا الخاصة، ونحسب التكلفة ونحدد السعر وفقاً لها”.


المصدر: بي بي سي – رويترز – وكالات

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.