
تظهر في هذه الصورة التي تم الحصول عليها في 6 فبراير 2025 أول سفينة حربية إيرانية حاملة للطائرات بدون طيار في جنوب إيران
أعلنت إيران، في 6 فبراير 2025، عن إنتاج أول حاملة للطائرات المسيرة التي أطلقت عليها اسم “الشهيد باقري”، وذلك بحضور قائد الحرس الثوري “حسين سلامي”، ورئيس هيئة أركان الجيش “محمد باقري”، المدى العملياتي للحاملة يصل إلى 22 ألف ميل، فضلاً عن أنها قادرة على الإبحار لمدة عام دون الحاجة إلى التزود بالوقود، وفي ظروف مناخية صعبة تصل فيها درجة الحرارة إلى 9 في المحيطات.
إلى جانب أن حاملة الطائرات المسيرة تضم منصات لتزويد المسيرات والزوارق والمروحيات (التي تستطيع حملها أيضاً) بالوقود، وتمتلك أنظمة دفاع جوي متطورة قصيرة ومتوسطة المدى تعزز قدرتها على حماية نفسها ضد أي هجوم محتمل.
ورغم أن توقيت الإعلان عن تصنيع حاملة المسيرات يمكن تفسيره في ضوء حلول ما يسمى بـ”عشرية الفجر”، وهى الأيام العشرة (1- 11 فبراير 1979) التي شهدت عودة قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية “روح الله الخميني” إلى إيران، وإعلان نجاح الثورة في الإطاحة بنظام الشاه “محمد رضا بهلوي”؛ إلا أن المسألة لا تنحصر في “رمزية” التوقيت، رغم أهميته بالطبع، وإنما تتعلق بأهداف أخرى تسعى إيران إلى تحقيقها عبر تدشين هذه الحاملة، ولا سيما في ظل الظروف الجديدة التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية.
وكانت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء قد ذكرت في منتصف يناير الماضي أن البحرية الإيرانية تسلمت أول سفينة استخبارات عسكرية، وذلك بعد أيام قليلة من تسلم جيش البلاد 1000 طائرة بدون طيار جديدة.
وقالت وكالة تسنيم إن السفينة “زاجروس” هي فئة جديدة من السفن العسكرية المجهزة بأجهزة استشعار إلكترونية والقدرة على اعتراض العمليات السيبرانية وإجراء عمليات المراقبة الاستخباراتية.
وقال قائد القوات البحرية شهرام إيراني: “ستكون سفينة استخبارات الإشارات “زاجروس” عين البحرية الإيرانية الساهرة في البحار والمحيطات”.
في أكتوبر الماضي، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية إن البلاد تخطط لزيادة ميزانيتها العسكرية بنحو 200% لمواجهة التهديدات المتزايدة.
أهداف عديدة
تسعى إيران عبر هذه الخطوة الجديدة التي تزيد من قدراتها العسكرية -بحسب تصريحات قادتها- إلى تحقيق أهداف مختلفة، يتمثل أبرزها في:
1- الاستعداد لعمل عسكري مضاد
لم تعد إيران تستبعد الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع إسرائيل، سوف تكون -في الغالب- أكثر اتساعاً وعمقاً من المواجهات التي اندلعت مع الأخيرة على مدى الفترة من أول أبريل وحتى 26 أكتوبر 2024.
وربما كان ذلك هو أحد الاعتبارات التي دفعت المرشد الأعلى للجمهورية “علي خامنئي” في اليوم نفسه الذي أُعلن فيه عن تدشين حاملة الطائرات المسيرة، إلى رفض التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن “لدى إيران تجربة سيئة” في هذا الصدد، في إشارة إلى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015، ثم انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية في 8 مايو 2018.
وقد كان لافتاً أيضاً أن هذه الخطوة العسكرية النوعية جاءت بعد تهديدات مباشرة وجهتها إيران إلى إسرائيل من العواقب التي يمكن أن تنجم عن مهاجمة الأخيرة منشآتها النووية، والتي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة، بحسب تصريحات وزير الخارجية “عباس عراقجي”، في 31 يناير 2025.
2- تعزيز القدرات العسكرية البحرية
كان لافتاً أن إيران تركز في تعزيز قدراتها العسكرية على القوات البحرية تحديداً، وهي إحدى نقاط القوة التي تمتلكها إيران مقارنةً بقطاعات عسكرية أخرى تمثل ثغرات واضحة، على غرار سلاح الجو الذي يعتمد على أسطول طائرات متقادم ولم يخضع للتحديث بسبب العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على إيران.
ومن هنا جاء الإعلان عن تدشين حاملة الطائرات المسيرة بعد أيام قليلة من الكشف عن قاعدة بحرية تحت الأرض تضم صواريخ مجنحة قادرة على مواجهة الحرب الإلكترونية للمدمرات المعادية، وذلك في أول فبراير 2025، وقبلها القاعدة التي تضم صواريخ بحرية، والتي يمكن أن تزود السفن بالصواريخ بعيدة المدى، وتم إنشاؤها على عمق 500 متر تحت الأرض.

علنت إيران، في 6 فبراير 2025، عن إنتاج أول حاملة للطائرات المسيرة التي أطلقت عليها اسم “الشهيد باقري”
3- امتلاك التهديد بإغلاق مضيق هرمز
ترى إيران أنها تمتلك القدرة على إغلاق مضيق هرمز، على نحو يمكن أن يتسبب في أزمة طاقة على مستوى العالم. إذ يمر عبر المضيق ما بين 18 و19 مليون برميل من خام النفط والمكثفات يومياً، كما تقوم قطر بتصدير معظم الغاز المسال عبر المضيق.
لكن إيران تُدرك في الوقت نفسه أن قدرتها على مواصلة إغلاق المضيق قد تكون محل شك، باعتبار أن القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح بذلك، في ظل التأثيرات الاقتصادية المباشرة والسريعة التي يمكن أن تنتج عن إغلاق المضيق على مستوى العالم، حيث دائماً ما تُسارع الأخيرة إلى إرسال حاملات طائرات، وتقوم دول أخرى بإرسال قطع عسكرية مختلفة لحماية المضيق.
ومن هنا، فإن إيران ربما تسعى عبر تعزيز قدراتها البحرية إلى توجيه رسائل مباشرة إلى تلك القوى بأنها تستطيع باستمرار تهديد حركة الملاحة البحرية في المضيق، خاصةً في حالة ما إذا تعرضت لعمل عسكري مباشر، أو نجحت سياسة “الضغوط القصوى” التي أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في 4 فبراير 2025، تجديدها، في تحقيق الهدف الأساسي منها، وهو “تصفير” الصادرات النفطية الإيرانية، خاصةً أنه أرفق ذلك بفرض عقوبات على شبكة دولية تساهم في نقل الملايين من براميل النفط الإيراني إلى الصين، التي تُعد المشتري الأكبر لهذا النفط.
4- الوصول إلى مصالح إسرائيلية مؤثرة
لا تتوقع إيران أن تكتفي إسرائيل بالنتائج التي أسفرت عنها الحرب التي شنتها في كل من قطاع غزة ولبنان، بدايةً من 7 أكتوبر 2023، حيث نجحت في القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لحركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. كما كان لهذه الحرب دور أساسي في إسقاط نظام الرئيس السوري “بشار الأسد”، في 8 ديسمبر 2024، بعد أن أضعفت الضربات العسكرية المتواصلة التي شنتها إسرائيل القدرات العسكرية للأخير، إلى جانب قدرات إيران والمليشيات الشيعية الموالية لها.
وفي رؤية طهران، فإن إسرائيل قد تعمل على استغلال المعطيات الإقليمية الجديدة التي فرضتها هذه الحرب من أجل إضعافها بشكل أكبر، وربما تعزيز فرص إسقاط النظام الإيراني نفسه، عبر دفعه إلى الانكماش داخل حدود إيران. وقد كانت مواجهة إيران أحد أهم محاور المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في واشنطن مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” 4 فبراير 2025، وهو اليوم نفسه الذي أعلن فيه تجديد سياسة “الضغوط القصوى” ضد إيران.
من هنا، فإن إيران تضع ضمن حساباتها مواصلة التصعيد مع إسرائيل من خلال توجيه ضربات ضد المصالح الإسرائيلية في المياه الإقليمية والدولية، على غرار ما كان قائماً قبل وخلال الشهور الأولى من الحرب التي شنتها الأخيرة في قطاع غزة ولبنان، حيث استهدفت إيران، عبر مسيرات، سفناً عديدة تعود لرجال أعمال إسرائيليين، على غرار السفينة التي هُوجمت في بحر العرب في 23 ديسمبر 2023.
وبالطبع، فإن إيران تهدف عبر ذلك لرفع كلفة العمليات العسكرية والأمنية التي تقوم بها إسرائيل، سواء على صعيد توجيه ضربات عسكرية ضد الحرس الثوري أو المليشيات الشيعية الموالية لها، أو على مستوى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، عبر عمليات استخباراتية يقوم بها جهاز “الموساد”، من أجل عرقلة الأنشطة النووية الإيرانية.

إلى جانب أن حاملة الطائرات الإيرانية تستطيع إطلاق المسيرات فإنها تستطيع أيضاً حمل المروحيات
تصعيد عسكري
وختاماً، فإنه في ضوء التصريحات التي أدلى بها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية “علي خامنئي”، في 6 فبراير 2025، والتي رفض فيها التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن القول إن إيران قد تتحول من الإعلان عما تسميه “إنجازات عسكرية”، إلى اتخاذ خطوات إجرائية تهدف إلى إثبات قدرتها على رفع كلفة أي عمل عسكري أو أمني قد تتعرض له خلال المرحلة القادمة.
في ظل التوافق الملحوظ بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” على استغلال المعطيات الاستراتيجية الجديدة التي فرضتها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان من أجل الوصول إلى تسوية مع طهران تتماهى مع مصالح وطموحات واشنطن وتل أبيب.
المصدر: موقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

