
الرسائل النصية تفاقم شعورنا بالتوتر رغم حاجتنا إليها في ظل التباعد الاجتماعي
إذا كانت الدردشة في إطار المجموعات الموجودة على تطبيقات التراسل الفوري، تمنحنا الترفيه والتسلية في أوقات الأزمات، وتبقينا على اتصال خلال هذه المحن أيضا، فما الذي يجعلها تفضي أيضا إلى أن يشعر بعضٌ منا بالإنهاك النفسي من استخدامها، وبأنها حمل ثقيل علينا؟
ما من شك في أن تطبيق إجراءات الإغلاق، أدى إلى زيادة الإقبال على استخدام تطبيقات التراسل الفوري، التي يتم من خلالها تبادل رسائل، لا تصطبغ بالطابع الرسمي التقليدي. وتُظهر الدراسات، أن الناس يميلون لهذا النمط الاتصالي، أكثر من ميلهم لرسائل البريد الإلكتروني مثلا. فبحلول نهاية مارس 2020 مثلا، قال القائمون على تطبيق “واتساب” إن عدد مستخدميه قفز بنسبة 40% تقريبا.
وأشارت دراسة أُجريت في سبتمبر 2020، وشملت أكثر من 1300 من البالغين الأمريكيين، إلى أن استخدامهم للاتصالات التي تُستخدم فيها الأجهزة الرقمية بمختلف أنواعها، زاد خلال فترة تفشي كورونا، وأن الرسائل النصية تربعت على رأس قائمة طرق الاتصال التي تحظى بالشعبية في هذا الصدد، وذلك بزيادة كبيرة بلغت نسبتها 43% تقريبا.
ومع أننا محظوظون، لأن لدينا هذا النوع من التكنولوجيا، التي جعلت بوسعنا استخدام تطبيقات مثل “واتساب” و”زوم” وغيرهما، ما خفف كثيرا من وطأة إحساسنا بالعزلة الناجمة عن الوباء، فإن مثل هذه المنصات التي أتاحت الفرصة لتكوين مجموعات دردشة، جعلت الاتصال يصطبغ بطابع حميمي وفوري، ما جعل مستخدميها يشعرون بالضغط والتوتر.
ويقول الطبيب النفسي إلياس أبو جودة، الذي يعمل في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية، إن ذاك “الدافع الداخلي الذي يحدو بنا لقراءة كل رسالة في التو ودون إبطاء، وكذلك التوقع (الذي يُكوّنه الآخرون) بموازاة ذلك، بأنك سترد على الفور أيضا”، يشكل أحد العوامل التي تجعل هذه التطبيقات تُشعرنا بالتوتر.
ويوضح أبو جودة، الباحث المتخصص في دراسة العلاقة ما بين التكنولوجيا وعلم النفس، بالقول إن عدم الرد على هذه الرسائل فورا يصيب المرء بالقلق، ويجعله يشعر بأنه “تخلف عن الركب، وانتهك قاعدة رئيسية، من قواعد الاتصال عبر الإنترنت”.

إذا كانت الإشعارات التي تصلك على الموبايل تصيبك بالتوتر، فلتطمئن أنك لست وحدك في هذا الاحساس
بجانب ذلك، قد يؤدي تأخرك في التفاعل مع مجموعة رسائل متبادلة في إطار إحدى مجموعات الدردشة على تطبيق ما، إلى تراكم تلك الرسائل بسرعة. وهنا، وحتى قبل أن تدرك ذلك، يبدأ تبادلك الرسائل مع زملائك أو أصدقائك، في التحول إلى ما هو أشبه بمهمة مرهقة، لا تختلف في طابعها عن كتابة رسائل البريد الإلكتروني في بيئة العمل.
ويقول بيرني هوجان، الباحث البارز في معهد الإنترنت التابع لجامعة أكسفورد، إن مثل هذا التراكم يسبب ما يبدو “دينا اتصاليا مخيفا، يمكن أن يُسْتَحَق علينا، بسبب عدم وجود تزامن بين الرسائل التي تصلنا وردودنا عليها”.
وبينما كان بمقدورنا في فترة ما قبل الوباء، التذرع بانشغالاتنا، لتبرير عدم الانتباه لرسالة أو حتى لمحادثة بأكملها، وذلك حال شعورنا بالإرهاق وعدم الرغبة في التفاعل مع الآخرين، فإن تقلص خيارات التواصل الاجتماعي بسبب (كوفيد – 19)، زاد الدور الذي تلعبه مجموعات الدردشة عبر تطبيقات التراسل، في حياة كل منّا. ولذا صرنا نشعر بأنه يتعين علينا تقدير أهمية أنماط التواصل هذه. لكن المشكلة أن التفاعل عبرها، جاء بوتيرة أكثر سرعة وحجما، مما كنا نعتاد.
وهكذا فبينما كان بوسعنا في فترة ما قبل الوباء، أن نختار الكف قليلا عما نضطلع به من مهام يومية، للانخراط في التواصل مع أعضاء مجموعات الدردشة المختلفة التي نشارك فيها، بات ذلك الآن – كما يقول أبو جودة – في حكم المستحيل تقريبا، بالنظر إلى تسارع وتيرة الرسائل، التي يتم تلقيها عبر هذه المجموعات، وتزايد عددها بشكل كبير.
لكن الشعور بالتوتر والقلق لا ينجم فقط عن سمات الدردشة في إطار مجموعات فحسب، بل ينبع كذلك من طبيعة التكنولوجيا المستخدمة على هذا الصعيد أيضا. فنحن نعلم من الأساس، أن الاستخدام المفرط للموبايل وأجهزة الكمبيوتر ضار بالصحة. ومن هنا، يقود الاعتماد على التكنولوجيا لإشباع كل احتياجاتنا المتعلقة بالتواصل والتفاعل الاجتماعي، إلى إضافة المزيد من العبء على قدراتنا المعرفية، التي ترزح من الأصل تحت ضغوط متزايدة، في ظل الوباء.
ويقول هوجان إنه قد يكون “لكل محادثة (تُجرى في إطار مجموعة دردشة) خانة عاطفية خاصة تُدرج فيها، ما يعني أن للتنقل بين هذه المحادثات `ثمنا` نفسيا، من الناحيتين الفكرية والذهنية”، خاصة أننا نتنقل كذلك، بين تطبيقات التراسل الفوري، وليس بين المحادثات الجارية عليها فحسب.
تُضاف إلى ذلك حقيقة، أن بعضا منّا، يعانون من الإنهاك النفسي والعاطفي، جراء كل ما يحاصرنا من أنباء محبطة متعلقة بالوباء. فبالرغم من أننا ربما نكون قد رحبنا في بادئ الأمر، بالاطلاع على المواد التي كان أصدقاؤنا يرسلونها لنا في هذا الصدد لأننا كنا نسعى آنذاك جاهدين لفهم طبيعة ما نواجهه من خطر، فإن الوضع تغير بعد ذلك، إذ بدأنا في الشعور بالفزع، من تدفق الأنباء والرسائل والتقارير، التي قد تغذي مشاعر القلق بداخلنا.

من الممكن أن توقف تشغيل الموبايل وتضعه في أحد الأدراج لبعض الوقت، في ضوء أنك لست مضطرا إلى الرد على كل الرسائل النصية التي تَرِدَك في التو واللحظة
ويقول أبو جودة إن الانخراط في مجموعات للدردشة، بدا في الفترة الأولى لتفشي الوباء، وسيلة جيدة لإبداء التعاطف مع عدد كبير من الناس في وقت واحد. لكن المشكلة تمثلت، في أنه “سرعان ما بدا واضحا، أن التوتر والقلق اللذين يترافقان أحيانا مع تبادلك رسائل نصية مع شخص واحد، يتزايدان بشكل استثنائي، حال مشاركتك في مجموعات للدردشة”.
أضف إلى ذلك مسألة الإشعارات التي تصاحب كل رسالة أو خبر عاجل يصلك على الموبايل، والتي تصيبك بالتوتر والقلق في كل مرة يهتز فيها الموبايل أو تُضاء شاشته، حتى وإن كان الأمر يتعلق بتبادل أعضاء مجموعة دردشة ما، صورا لحيوانات لا أكثر.
على أي حال، إذا شعرت بأن هذه المجموعات تشكل حملا زائدا عليك، فثمة وسائل يمكنك من خلالها – كما يقول الخبراء – الجمع بين إبداء التقدير لأنماط تواصل مهمة مثل هذه، ونيل قسط من الراحة منها أيضا، عبر فصل نفسك عنها بين الحين والآخر.
وربما يتعين عليك في هذه الحالة، أن توضح للأعضاء الآخرين في المجموعة، أن توقفك عن التفاعل لفترة، ناجم عن احتياجك لذلك، لا نابع من رغبتك في الانعزال كلية عنهم.
كما أن بوسعك أن تقول لهم شيئا ما على شاكلة “لن يكون بوسعي الرد على الرسائل الآن. لكن لا تنسوا إشراكي معكم، في أول مكالمة جماعية تالية”.
وفي واقع الأمر، أظهرت الدراسات أن الاتصال الصوتي، يزيد قدرتك على “التعاطف بدقة” مع الآخرين، بشكل يفوق ما يحدث في حالة الاتصال المرئي، الذي يشمل إرسال رسائل نصية. كما أن هذا النمط الصوتي من الاتصال، يعزز قدرتك على أن تجعل مشاعرك تتماشى مع نسق مشاعر من تتواصل معه، ما يفسح المجال لإقامة تواصل أكثر عمقا بينكما.
ومن هذا المنطلق، فإذا شعرت في وقت ما أنك تريد البوح والحديث، فربما سيجدر بك أن تلجأ إلى هاتفك لإجراء مكالمات صوتية عبره. وإذا أردت منع الرسائل الواصلة إلى هاتفك في إطار إحدى مجموعات الدردشة، من الظهور تلقائيا على شاشته، فثمة فرص لأن يتفهم الأعضاء الآخرون في المجموعة ذلك، فالصداقة راسخة الأركان ستصمد في وجه أي “تباعد أو فراق رقمي”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife