“السيلفي” أو أخد صور للوجه عبر كاميرا الموبايل، بات جزءا من حياة الملايين، يمارسونه في مختلف المناسبات والأوقات.
وما زاد من تعلّق كثيرين به، هو القدرة على تغيير ملامح الوجه من خلال تقنيات الواقع المعزز والظهور بصورة يعتبرونها “أجمل”، عبر استخدام فلاتر وتطبيقات تجميل أطلقتها منصات اجتماعية عديدة مثل فيسبوك وسناب شات وإنستجرام وتك توك.
رموش أطول، فك أعرض، ابتسامة ناصعة، أنف أنحف، بشرة صافية، هي بعض المعايير الجمالية التي يسعى كثيرون للحصول عليها من خلال فلاتر الوجه.
الفلاتر والصحة النفسية
في لبنان، أسس الشابان إيلي خوري ورودي وهبة شركة تختص بتصميم وتطوير فلاتر الوجه.
يقول رودي ” فلاتر تطبيق إنستجرام بدأت عام 2010، لكن في عام 2019 أصبح بمقدور أي شخص أن ينفذ الفلتر الخاص به.” ويضيف إيلي ” بعض الأغنياء يقررون ابتكار فلتر لملامح وجههم ويشعرون بالسعادة في حال استخدمه آخرون ليظهروا بشكل مشابه لهم.”
لكن كثيرا من الأبحاث الخاصة بعلم النفس يشير إلى أن هناك تأثيرا لفلاتر الوجه على الصحة النفسية للمستخدم وخاصة في عمر المراهقة. وتبين الدراسات أن الإفراط في استخدام تلك الفلاتر يمكن أن يؤدي إلى ما يسمى باضطراب التشوه الجسمي.
وتقول الطبيبة النفسية ملاك الشريف إن “استخدام فلاتر تحسين المظهر لا يؤدي إلى أمراض نفسية”، إلا أنه “يظهر تلك الأمراض، لدى الأشخاص الذين يكون لديهم قابلية لها”.
وتشير الدكتورة شريف إلى أن استخدام الفلتر قد يؤدي إلى الإدمان فقط في حال كان للمستخدم قابلية نفسية لذلك، مضيفة “الإدمان هنا يعني استخدام الفلتر لوقت طويل، التفكير به دائما، كونه يشغل حيزا كبيرا من تفكير الشخص الذي يجد صعوبة في التوقف عن استخدامه، وأن تؤثر هذه العناصر بشكل مباشر على حياته الاجتماعية والعملية.”
لماذا نريد أن نصبح “أجمل”؟
شرّعت وسائل التواصل الاجتماعي أبواب الشهرة والانتشار لفئات كثيرة من المجتمع وخاصة ممن بات يطلق عليهم لقب “المؤثرين اجتماعيا”، لدرجة أن تأثيرهم بات يتخطى مضمون تخصصهم، ليصبحوا نموذجا يُتّبع في السلوك والمظهر.
وأصبح كثيرون يلجأون إلى عيادات التجميل للحصول على ملامح تشبه صور المشاهير المعدلة عبر الفلاتر أو تطبيقات التجميل أو حتى صورهم أنفسهم بعد التلاعب بها عبر التطبيقات.
تقول طبية التجميل رنا العمادي إنها تفكر الآن بشكل جدي بتوظيف أخصائية أمراض نفسية في عيادتها في البحرين كي تتحدث مع الأشخاص الذين يزورون عيادتها، لأنها تشعر أن لديهم نوعا من النظرة الدونية لأنفسهم. وتضيف “كثيرون منهم لا يشعرون بالسعادة بسبب بعض ملامح وجوههم وأصبحت لديهم توقعات غير منطقية للشكل الذي يريدون أن يبدوا عليه.”
تطور معايير الجمال
مسابقات الجمال والإعلانات والمجلات والسينما كانت ولازالت إحدى العوامل التي وثقت في أذهان الناس معايير خاصة بالجمال. أصبح كثيرون يقارنون أنفسهم بهؤلاء الأشخاص ويرفضون شكلهم الحقيقي محاولين الحصول على ملامح تشبه الآخرين.
تقول الدكتورة ملاك الشريف إن الفئة العمرية ما بين 15 إلى 18 عاما هي الأكثر عرضة لتلك الضغوط النفسية لأنها تسعى للتشبّه بالمشاهير أو حتى بأشخاص أخرين قريبين منهم. وتتابع “المرحلة العمرية الأخرى تكون ما بين 18 و25 عاما، لكنها تتميز بنضج نفسي أعلى بقليل من المرحلة السابقة ويكون اهتمام الأفراد فيها منصبا على العلاقات الاجتماعية أكثر منه على الشكل فقط.”
التكنولوجيا والنظرة إلى الجمال
في الماضي، كان الرسامون والمصوّرون وحدهم يتحكّمون في القدرة على تعديل الصور، واعتمدها سياسيون وفنانون كثر، من أجل التأثير السياسي، أو إظهار القوة، أو ببساطة للسيطرة على انطباعٍ المتلقي.
هذه القدرة باتت في متناولِ الجميع الآن، عبر الهاتف.
ويرى مطور فلاتر الوجه رودي وهبة أن استخدام الفلاتر لم يعد من التابوهات، بل أصبح مقبولا في المجتمع ولا يجد المستخدمون حرجا في إظهار تحسينات في صورهم علنا. ويضيف زميله إيلي خوري ” كثيرون ممن نلتقي بهم يفضّلون الظهور بشكل جمالي مثالي بحسب اعتقادهم بدلا من استخدام صورهم بشكلها الحقيقي دون تعديلات.”
من يستخدم الفلاتر أكثر؟
بحسب بيانات مطورَي الفلاتر إيلي ورودي، تستخدم النساء الفلاتر التجميلية أكثر من الرجال، وهو الأمر الذي تعتبره الأخصائية النفسية ملاك الشريف نتيجة تعرّض النساء لتقييم أكبر من الرجال بناءً على مظهرهم الخارجي.
تقول إن الفتيات يتعرضن لكثير من “الضغوط الاجتماعية” التي ترسخ مفاهيم معينة حول الجمال في عقولهن منذ الصغر.
وتشدد الشريف في هذا الإطار على ضرورة أن تُظهر منصات التواصل أن الصور معدّلة كي يعرف المتلقي ذلك.
كلُّ ما يحدث من تطوّرٍ يدفع إلى التفكير بما هو الجمال، ومن يحدّدُه، وبتأثير مواقع التواصل التي تستفيد من إدمان المستخدمين وسعادتهم بصورهم وبالتعليقات التي يتلقونها. والمهم أن نتذكّر أننا جميلون، بفلاتر وبلا فلاتر، بألواننا وأحجامنا وأشكالنا كلّها.